"طيبة" التي رأيت!!

أي زائر للمدينة المنورة، خاصة ممن زارها في الإجازة الأخيرة الماضية، لا بد أنه قد خرج بالعديد من الانطباعات والملاحظات والاستفهامات المهمة عن هذه المدينة الإسلامية العظيمة، مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ولنأخذ هذه الملاحظات والتحفظات بالتدرج:

نبدؤها بالحرم المدني الشريف؛ فمستوى النظافة فيه جيدة جداً، إلا أنها لا تقارَن أبداً بمستوى النظافة في الحرم المكي الشريف، وقد ذكرتُ ذلك لأحد موظفي الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين، وصادق على كلامي، كما أكد ذلك أحد رجال الأمن بالحرم، وزاد بأن بعض من يقومون بالنظافة في الساحات الخارجية يستخدمون أحياناً مياهاً غير نظيفة!!

والأمر الأهم هو موقع الروضة الشريفة والمنطقة الواقعة بين باب السلام وقبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي ما تُعرف بالحرم القديم. هذا المكان تحديداً يُفترض أن يكون مستوى النظافة فيه أكبر من أي مكان آخر؛ وذلك لشدة الازدحام لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبري صاحبيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وللصلاة في الروضة الشريفة؛ لذلك يُفترض تغيير السجاد دورياً نظراً لما يسببه الازدحام من ظهور بعض الروائح الكريهة في السجاد، كما يُفترض منع دخول الأحذية منعاً باتاً في هذه المنطقة بل في الحرم كاملاً، وكم هو مؤذٍ ومقزز رؤية الأحذية - أجلكم الله - في الحرم، بل إن البعض - هداهم الله - يضعها أمامه، هذا بخلاف مستوى نظافتها، وغير ذلك!!

نخرج من الحرم المدني، ونتوجه إلى الموقع التاريخي البارز "مقبرة شهداء أحد". وجبل أحد وجبل الرماة موقع الغزوة العظيمة في الإسلام، وأترككم هنا مع ما كتبته عن الموقع نفسه قبل أربع سنوات في صحيفة المدينة في مقالة بعنوان "إلى طيبة الطيبة" 23/ 3/ 1430؛ حيث كنت قد كتبت بالنص: "منطقة جبل أحد ومقبرة شهداء أحد، هذه المواقع الأثرية التاريخية، تحتاج إلى عناية خاصة؛ حيث تشوهها وتزكم وتؤذي أنوف الزائرين لها بسطات المخالفين العشوائية، وحولها مسجد ومدرسة ومكتب للهيئة، كلها تظهر بحالة تستدعي تدخل يد التجديد. مثل هذه الملاحظات بسيطة إلا أنها مهمة، وقد تضيع وتصادر الصورة الإيجابية الأكثر من رائعة، التي انطبعت في أذهان المسلمين القادمين لزيارة الحرمين الشريفين من أنحاء العالم كافة عن جهود الدولة لخدمة الأماكن المقدسة والأماكن الإسلامية الأثرية التاريخية. وأعتقد أن دور الهيئة العامة للسياحة والآثار مهم جداً بالتعاون مع أمانة المدينة المنورة لإعادة تأهيل هذا الموقع الأثري الإسلامي الخالد، خاصة إذا ما سلمنا بأهمية وحتمية السياحة الدينية، وهو ما تؤكد عليه هيئة السياحة دوماً". هذا كان قبل أربع سنوات، ولكن كيف يظهر المكان هذا العام؟.. للأمانة، توقعته أصبح للأحسن، إلا أنه - مع الأسف الشديد - ازداد سوءاً وإهمالاً، بل إن الجبل بدأت تتساقط بعض أحجاره وصخوره؛ ما يهدد بضياع هويته إذا لم يُتدارك الأمر من خلال تسويره والمحافظة عليه من الظروف المناخية ومن عبث البعض.

أما طيبة الذكر "العربات والبسطات العشوائية"، التي تزكم الأنوف - كما ذكرت - فما زالت صامدة على وضعها السابق، وأسوأ!!

بصراحة، كم يحز في النفس أن يظهر الموقع التاريخي المهم بذلك المنظر وتلك الصورة المشوهة؛ وهو ما يستدعي إعادة تأهيل وتنظيم عاجلة جداً، من خلال وضع أرصفة حديثة ومسطحات خضراء ولوحات إرشادية واضحة، وغير ذلك من وسائل التجميل والجذب.

من الملاحظات اللافتة جداً للانتباه في المدينة المنورة أنه، وبرغم ازدحامها الشديد، ولاسيما هذه الأيام، من خلال موسم العمرة والكثافة البشرية الهائلة التي تقتضي توفير وسائل السلامة والأمان المرورية للزوار والمواطنين الذين يقصدون الحرم مشياً على الأقدام ذهاباً وإياباً، خاصة أوقات الصلوات المفروضة، إلا أنه لا توجد جسور للمشاة، بالرغم من أن ذلك بديهي في جميع الشوارع الرئيسية السريعة الفاصلة بين المناطق السكنية والحرم، مثل حي العوالي وغيرها، ومع ذلك - ولكم أن تتخيلوا - لا يوجد أي شيء من ذلك!!

يقابل ذلك وجود متواضع من رجال المرور لتنظيم الحركة، وكم من حوادث دهس كادت تقع أمامي أو حوادث أخرى كادت تقع بين السيارات من جراء الوقوف المفاجئ نتيجة قطع الجموع الغفيرة للطرق، هذا بخلاف الحوادث التي أجزم بأنها تقع دوماً من جراء الوضع الحالي؛ وهذا - بلا شك - يتطلب معالجة سريعة وفورية.

من الملاحظات البارزة أيضاً قلة عدد الدور السكنية والشقق المفروشة؛ حيث شهدت المدينة المنورة في الأسبوع الماضي "أسبوع إجازة الربيع" ازدحاماً هائلاً من المواطنين، حيث تصادفت الإجازة مع موسم العمرة؛ لذا سيطرت حملات العمرة، خاصة من إيران وتركيا وبعض دول شرق آسيا، على المنطقة المركزية بالكامل؛ ما جعل المواطنين يبحثون عن السكن في الشقق المفروشة خارج المنطقة المركزية، إلا أنها – للأسف - لم تفِ باستيعاب الجموع من المواطنين والزوار؛ ما تسبب في عودة كثير من الأسر أدراجهم إلى مدنهم الأصلية دون الحصول على سكن في المدينة المنورة!!

وهذا يستدعي - بلا شك - إعادة النظر في موسم العمرة، الذي يفترض أن يكون مقنناً أكثر مما يحدث حالياً؛ فليس من المعقول ألا يجد المواطن السعودي سكناً في مكة المكرمة أو المدينة المنورة نتيجة حجز المساكن هناك من قِبل حملات خارجية، وهذا يتكرر مؤخراً بشكل ملاحَظ لم يحصل من قبل.

كما يُفترض التسهيل على رجال المال والأعمال من أجل الاستثمار في مجال دور الإيواء السياحي في المدينة المنورة؛ فعدد الشقق الموجود فيها لا يتوازى مع مكانتها وأهميتها.

أخيراً - بالنسبة لي على الأقل - أنا متفائل خيراً إن شاء الله بأمير المدينة المنورة الجديد صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز بأن يُحدث نقلة هائلة في طيبة الطيبة.

قولوا إن شاء الله.




http://sabq.org/Zg1aCd