أعلنت حكومة المملكة الحرب على الفساد بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ومنحتها صلاحيات واسعة، تتيح لها أداء مهماتها دون أي ضغط من أي نوع، إضافة إلى الضوء الأخضر الكثيف الذي يشع من عبارة "كائناً من كان" الواردة في منطوق الأمر الملكي القاضي بإنشائها.
ولكن الهيئة ما زالت تمارس معاركها ضد الفساد في قاع الهرم الإداري في الجهات المشمولة باختصاصها، في حين أن الطريقة المُثلى للقضاء على الفساد هي البدء في محاربته من الأعلى إلى الأسفل؛ فكَشْفُ تجاوز مسؤول كبير وإحالته إلى الجهات الرقابية ومعاقبته كفيلٌ بردع مَن دونه من موظفين، ليس في الجهة التي يعمل فيها فحسب، بل في الجهات الأخرى أيضاً. ولا نعلم هل ستظل الهيئة تخوض معاركها في هذه المنطقة المعزولة أم هي مرحلة ستتبعها مراحل أخرى؟
أمرٌ آخر يتعلق بالبيانات الصحفية الصادرة من الهيئة وردودها على بعض الجهات: فالملاحِظ لتلك البيانات يجدها تفتقر إلى المهنية والموضوعية في بعض الأحيان، وليس التراشق الإعلامي الذي حصل بين المصدر المسؤول في الهيئة ورئيس بلدية عنيزة إلا مثال بسيط على ذلك؛ فبالرغم من أننا نقف جميعاً مع الهيئة على اعتبار أنها تمثل الخط الأمامي في الحرب على الفساد إلا أن ما ذكره رئيس بلدية عنيزة وأثار غضب الهيئة صحيح. ويبدو أنه قرأ تنظيمها قراءة قانونية فاحصة، وكان الأجدر بها أن تلحق بيانها ببيان آخر يصحح ما ورد في الأول من أخطاء، وهذا شكل من أشكال الشفافية التي تؤكد عليها الهيئة في كل بيانٍ لها، ولكن المصدر المسؤول خرج ببيان مُخيب للآمال، قد يصلح أن يكون مثالاً للشخصنة ومحاولة الانتصار للذات! فقوله: "الهيئة أعلم بتنظيمها وليست بحاجة لمن يوضح لها ذلك" هو بوجه آخر وباللهجة العامِّية يقول "الهيئة حـقتنا"! ولست أبالغ إذا قلتُ إن بيان الهيئة هذا تضمن مخالفة تتمثل في إساءة استخدام السلطة!
لا شك أن الهيئة تبذل جهوداً كبيرة لأداء مهماتها، ونتمنى أن تتوّج هذه الجهود بتحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، ولكن عليها أن تلتزم بتنظيمها وألا تترك مجالاً لكائنٍ مَن كان أن يضعها في مواقف محرجة، وأن تُعمِل مبدأ "رحم الله من أهدى لي عيوبي"!
نقطة نظام:
طالما أنك مكين لدى السلطة الأولى فلِمَ تلجأ إلى السلطة الرابعة؟!
http://sabq.org/de1aCd