معالي الوزراء.. تعالوا إلى كلمة سواء

مرَّت علينا سنوات، كنا نترقب فيها بشغف إعلان الميزانية؛ لنفرح ونستبشر إن كانت الميزانية متوازنة أو على الأقل إن كان العجز بسيطاً. ورغم هذا كانت المشاريع تُنجز في موعدها، والمواطن يرى أثر الميزانية على حياته ومستوى معيشته. والطريف أننا منذ ما يقرب من عشر سنوات والميزانية في كل سنة - بحمد الله - أعلى من سابقتها، سواء في الدخل أو المصروفات، و الملك - حفظه الله - مع كل إعلان للميزانية يخاطب الوزراء بأن "لا عذر لكم، أريد إنجازاً، اطلب تجد"، وللأسف مع كل هذا الحرص لا يرى المواطن أثراً واضحاً لكل هذا الإنفاق الضخم، بل إن بعض المواطنين وصل إلى درجة الإحباط.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت هذه الصحيفة الموقّرة "سبق" تحقيقاً في اليوم التالي لإعلان الميزانية 18 صفر 1434هـ، تضمن أن المواطنين الذين تم مقابلتهم لأخذ آرائهم عن الميزانية كانوا غير متفائلين، واختصر بعضهم كلامه في عبارة "ما شفنا شيئاً". وهو دليل واضح على أن ما تقدِّمه وزاراتكم - في واقع الأمر - أقل بكثير مما هو متوقَّع، ولسنا بحاجة لنذكركم بأن أرقام الميزانية - على ضخامتها - لا تعني للمواطن أي شيء ما لم تُترجم إلى واقع حقيقي وملموس بمشاريع تعمل على تحسين حياته، وتوفر له الخدمات التعليمية والصحية والنقل والمواصلات... إلخ.

أصحاب المعالي، لقد قتلتم فرحة المواطن المسكين، وأصبتموه بالإحباط؛ فهو من جهة يقرأ ويسمع عن هذه الميزانيات الضخمة، ومن جهة أخرى لا يلمس لها الأثر الذي يوازي ضخامتها، وكأن لسان حاله يقول "أسمع جعجعة ولا أرى دقيقاً".

لقد ملّ هذا المواطن المسكين من حديثكم عن مشاريع عملاقة منذ نحو عشر سنوات دون أن يرى إنجازاً يوازي هذه الزيادة السنوية في المصروفات، وتعب من الأرقام الفلكية المعلنة وغير المعلنة لمشاريع، بعضها غير متناسق مع هذه الأرقام الفلكية، وبعضها لا ترى النور، وحتى إن رأته فسرعان ما تتبدَّد فرحة المواطن ببعض تلك المشاريع؛ لأنها ببساطة إما مشاريع غير مكتملة، أو أنها مصابة بعاهات مستديمة وتشوُّه خِلقي، وبحاجة إلى علاج ورعاية حتى قبل أن ينتهي المشروع، وما قطار الرياض - الدمّام السريع عنا ببعيد!! وقد تكون تلك المشاريع من ذلك النوع المعطوب أصلاً، على غرار بعض الأجهزة الصينية، ما إن تفرح بها حتى تبدأ في الأعطال جزءاً بعد آخر؛ لتدخل في دوامة لها أول، وليس لها آخر، وعندما يزورك الفني بعد طول انتظار يقول لك – بكل بساطة - آسف إصلاح الجهاز سيكلفك أكثر من قيمته، والأفضل أن تشتري جهازاً جديداً!

وهناك بعض المشاريع التي تدخل طور الإجهاض منذ بدايتها، وما أكثرها، فهناك 3000 مشروع متعثر - على ذمة "نزاهة" - والحبل على الجرار.

نناشد أصحاب المعالي الوزراء والمسؤولين سرعة تنفيذ ما وجَّه به خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في خطاب إعلان الميزانية؛ حيث طالبكمبالشفافية، ووجَّه بأن تظهروا في الإعلام، وأن توضحوا للناس حقيقة مشاريع كل وزارة وما نُفِّذ منها وما تعثر.. قائلاً: "على كلّ وزير ومسؤول أن يظهر من خلال الإعلام؛ ليشرح ما يخص قطاعه بشكل مفصَّل".

كما نناشد معالي وزير الإعلام أن تتبنى وزارته برنامجاً تليفزيونياً، يُخصَّص لاستضافة الوزراء والمسؤولين أول كلّ سنة مالية وآخر كلّ سنة؛ليكون البرنامج موضوعياً، ويأتي الوزير أو من ينيبه فيشرح الخطط والبرامج التي تستهدفها وزارته والمبالغ التي ستُنفق عليها ليتم تسجيلها، ثم استعراضها في نهاية العام مع الوزير أو المسؤول؛ لمقارنة ما أُنجز مع ما هو مخطَّط له وما نُفِّذ من تلك المشاريع وما لم يُنفَّذ، وأسباب التعثر إن وجدت.

ويا حبذا يا معالي الوزير لو خُصّص جزء من ذلك البرنامج ليكون تفاعلياً مع الموطنين؛ للرد على أسئلتهم واقتراحاتهم؛ فهم المستهدفون بتلك المشاريع؛ ومن حقهم المشاركة وطرح آرائهم على المسؤول مباشرة؛ ومن يدري فقد يساهمون في حلول غير متوقَّعة؛ فكثير من الحلول الناجعة في الدّول المتقدمة تأتي من مواطنين عاديين.

كما نناشد هيئة مكافحة الفساد - وهي التي تعلم موقع السعودية في مؤشر الشفافية العالمي - توجيه ضربة استباقية للفساد المالي والإداري، وشل حركته، من خلال الضغط باتجاه الشفافية، والأولى أن تبدأ بحث وزير الإعلام بتبني مثل هذا البرنامج، وحث المسؤولين على ضرورة تنفيذ التوجيه الكريم، مع تأكيد أن الهيئة ستضع علامة استفهام كبيرة على أي وزارة لا تظهر في هذا البرنامج.

أصحاب المعالي، تأكدوا أن الشفافية التي طالبكم بها خادم الحرمين الشريفين هي لصالحكم وصالح وزاراتكم؛ وبالتالي صالح وطنكم؛ ففي الظلام وحده يستوطن الفساد والظلم، وتنشأ التشوهات الاجتماعية والاقتصادية، وتتزعزع ثقة الدولة والمواطنين في أعمالكم، والوضوح وحده كفيل بعلوّ مكانتكم عند ولي الأمر ورضا المواطنين، ومنع خطط التنمية من أن تنحرف عن مسارها الصحيح.





http://sabq.org/3c1aCd