على النطاق المحلي، بل حتى عربياً ودولياً، تسيطر تسميات عديدة لأشياء مختلفة، وجميعها تشترك في شيء واحد، هو اسم التفضيل "أعلى، أطول، أسرع، أصغر".. وهلم جرا!
أطول كورنيش في العالم.. أطول نافورة في العالم.. أعلى مسجد في العالم..
بل حتى على نطاق مشاركة المرأة في مجلس الشورى.. هناك من قال: أعلى نسبة مشاركة!! مع العلم بعدم جدوى هذه المقارنة لاختلاف التعيين عن الانتخاب أصلاً!
وحتى على النطاق الشخصي والاجتماعي قد تسمع من تقول: "أنا أحلى امرأة اليوم!" أو "جَمعة اليوم هي أحلى جَمعة"، وكأن كل شخص يسعى ويحارب للدخول في موسوعة جينيس للأرقام القياسية!
بل حتى معظم المقابلات الشخصية لا تخلو من أسئلة من نوع: أطرف موقف.. أصعب موقف..! وهنا – حقيقةً - يكمن التحدي: كيف يمكن لشخص أن يسترجع كل المواقف الطريفة أو الصعبة في حياته؛ ليستطيع تصنيفها حتى يجيب عن سؤال من هذا النوع؟! هل يُعقل هذا؟!
المقارنة بحد ذاتها حالة جميلة؛ لإضفاء شعور بالأفضلية؛ فهي فطرة طبيعية في الإنسان؛ للبحث عن تميزه شخصياً أو بما يملك.. ولها مردود نفسي وإيجابي؛ يجب ألا نغفل عنه، لكن.. أن تصل المقارنة إلى حد أن يكون الهدف فقط هو: اسم التفضيل حتى "أكون الأول!" فهنا تكمن الفجوة التي يجب ألا نعيرها الاهتمام أبداً.
ما الفائدة من اللهث خلف التميز في الاسم دون أن ندرك جيداً أهمية وجدوى فائدته..؟ هل وصلت السطحية بالبعض إلى درجة أنهم يبحثون عن الأفضل.. فقط لأن الغير ليس أفضل.. أو أن يبنوا الأعلى.. لأن الأقصر أقبح؟ أو أن يقتني الأسرع لأن الأبطأ أسوأ؟!!..
لِمَ هذا التفكير المحدد والمقولب.. في أشياء محددة.. بحيث نجعل الجمال بسمات معينة، ونحدده في شخص، ونسميه أجمل شخص..أو نجعل القوة في جهاز، ونسميه أقوى جهاز.. أو حتى أن نختصر الطرافة في موقف؛ لنسميه أطرف موقف؟ ما الذي يمنع أن أكون جميلاً وغيري أيضا جميل ومميز؟.. من دون محو الآخر!
هل حب الإنسان الطبيعي للتميز أَوْصَله إلى درجة أن يرفض الآخر "غير الموجود لديه"؛ وبالتالي يسعى ويجاهد؛ ليحصل على كل تميز إضافي؟ لماذا البحث وراء اسم التفضيل والغفلة عن المحتوى والجودة في الفعل نفسه؟ هل سيطرت على تفكيرنا السطحية بحيث تجعل شغلنا الشاغل هو التميز التفضيلي الذي يُشعرنا بأهمية ما نعمل، ويُضفي عليه خصوصية وانفراداً نحلم به؟!
لا ضير في التميز والتفاضل؛ فهما مطلوبان.. وواجبان أحياناً كثيرة.. لكن أن تصل الأمور إلى أن يكون التفاضل بحد ذاته هدفاً.. بغض النظر عن الهدف من وراء ذلك.. فهنا تجب الوقفة، ويجب إعادة التفكير مجدداً.. حتى نصل إلى مرحلة "أفضل"!
قليل من الرويّة والتعقل؛ لنشعر، ونستشعر بطعم ما نملك.. وإن لم يكن الأغلى.. والأحلى.. والأقوى.. والأحسن!
ختاماً.. أؤكد لكم أن مقالي هو أفضل مقال لي.. بل "أحسن مقال في الصحيفة"!
http://sabq.org/lh1aCd