عند الدخول لأحد الأماكن المهمة كان هناك تجمع بشري لأشخاص، اصطفوا وقوفاً في صف متتالٍ انتظاراً للتفتيش؛ حيث يتولى رجل الأمن تفتيش كل شخص من خلال مروره عبر جهاز الأمن الذي يُصدر صوتاً حال وجود أي اشتباه أو قِطع حديدية أو خلافه، أسوة بما هو معمول به في المطارات. وكان رجل الأمن دقيقاً في التفتيش، بينما زميله ينظر عبر جهاز الأشعة عما يخرجه الفرد من مقتنيات في جيبه؛ ليتم تمريره عبر الجهاز، كما أن الأمر يتعدى إلى خلع الأحذية - أجلكم الله - أو الأحزمة وما شابه ذلك حرصاً على دقة التفتيش وانضباطيته.
وكان أحد الواقفين منتظراً دوره، لكنه لاحظ أن رجل الأمن يتحرج من بعض الشخصيات، ويتأثر من تذمرهم، إلا أن صاحبنا - وهو الحريص أمنياً - كان يشجع رجل الأمن على دقة التفتيش، ويبتسم في وجهه، ويبلغه متحدثاً إليه بعبارات مثل "بارك الله فيك"، "واصل عملك"، "أنت تقوم بواجبك فلا تتحرج من شيء".. وكانوا يسعدون بكلماته وتشجيعه، وهو يقصد بذلك مَنْ يقف معه ممن يرى نفسه فوق التفتيش، أو يبدي امتعاظه من صوت الجهاز وتكرار عودته، رغم أن بعض هؤلاء يتجاهلون أحياناً إنزال أحد جوالاتهم مثلاً أو بعض المفاتيح؛ وبالتالي لا بد أن يُصدر الجهاز صوتاً. ولاحظ صاحبنا أن هناك شخصاً سمح له رجل الأمن بالعبور دون المرور بالجهاز؛ فانزعج صاحبنا من ذلك، وخاطب رجل الأمن عن سبب سماحه لهذا الشخص بالمرور، خشية أن يكون السبب مجاملة أو معرفة بينهما، فما كان من رجل الأمن إلا أن هدأ من روعه، وطلب من الرجل أن يقف، وقال إن هذا الرجل معه شهادة طبية تعفيه من التفتيش؛ لأنه يسير بمنظم لنبضات القلب، يعتمد عليه في حياته، والمرور بالجهاز سيؤدي - لا قدر الله - إلى تعطُّل الجهاز وتضرره. اقتنع صاحبنا بعد أن شاهد الورقة الطبية، واعتذر للرجل، ودعا له بالشفاء، وحمد الله على حرصه على الأمن، رغم أنه مواطن ليس له صفة عسكرية أو علاقة بالتفتيش ومهامه. وبعد أن غادر المكان تساءل بينه وبين نفسه عن سبب هذا الحس الأمني الذي يلازمه منذ الصغر؛ فهو معروف باتصاله بالجهات الأمنية المختصة حال ملاحظته أي حدث أمني حسب كل جهة، ورأى أن ذلك يعود إلى حبه لوطنه الذي تأصل في فترة سابقة في التعليم بترداد شعار "المواطن رجل الأمن الأول"، وأن أي ملاحظة يجب أن يبلغها للأجهزة المختصة، وتذكر عندما يسافر براً كيف يحرص على إبلاغ الأمن بأي مشكلة أمنية، كما أنه بادر بالإبلاغ عن حالات إرهاب، وحرص على تتبعها متعاوناً مع أجهزة الأمن دون أن يفكر بمردود مالي، رغم أن ذلك معلناً عنه، وبلاغه أدى للقبض على عصابة، وربما في أكثر من حدث وموقف وملاحقة أمنية.
أخيراً، حمد الله - عز وجل - على نعمة الأمن في وطنه الغالي؛ فها هو رغم اضطراب الأوضاع من حولنا إلا أن الناس تسافر بين مختلف مدن السعودية وهي آمنة مطمئنة، ودعا الله أن يكون هناك تربية عميقة في المدارس والجامعات والمساجد ووسائل الإعلام لتعميق الحس الأمني، وأن يكون المواطن رجل الأمن الأول بالإبلاغ عن أي أمر قد يرى فيه مساساً بالأمن واستقراره وطمأنينته، وأن يتم المسارعة بحل مشكلة البطالة لمنع انتشار حالات السرقة التي زادت مؤخراً، وبعضها من أجل الحصول على المخدرات.
http://sabq.org/lc1aCd